فأما إذا كان المصحح غير ماهر فالأمر أشد، فإنه قد يصحح الغلط ويخطيء الصواب، وهذا ينقض قيمة المطبوع العلمية والمالية؛ لأن الناظر فيه يرى أن الكتاب لم يصححه عارف ماهر.
وأيضًا ففي ذلك إيقاع لغير العارفين في الغلط، ومع ما تقدم فإننا نقطع أنه لم يطبع كتاب قط على هذه الطريقة مع استيفاء جميع الاختلافات، فإن من نسخ الكتب التي طبعت على هذه الطريقة ما لا نقط فيه البتة أو نقطه قليل، فلو وفي المصحح بهذه الطريقة لكانت الحواشي ثابتة مع كل كلمة منقوطة يمكن تصحيفها.
ومن هنا نعلم أن المصحح فزع إلى الطريقة الرابعة ولكن لم يعتمدها مطلقًا بل خلط وخبط، وفي هذا مفسدة عظيمة؛ فإن ولي أمر المطبعة إنما يأمر المصحح بالتزام الطريقة الثانية لأنه لا يرى الاعتماد على معرفته فيحمله ذلك على إحالة التصحيح إلى غير عارف ثقة بأنه لا حاجة للمعرفة وإذ كان الطبع مقيدًا بالنسخ وفي هذا ما فيه.
الطريقة الثانية (*):
وهي الرائجة في بعض المطابع في مصر وغيرها؛ أن يقاول صاحب المطبعة بعض أهل العلم والمعرفة على تصحيح الكتاب الذي يريد طبعه، ويدفع إليه النقل الذي يراد الطبع عليه، وذلك غالبًا بعد مقابلته بالأصل، فيصحح هذا العالم بمعرفته ونظره وبمراجعة المظان من الكتب العلمية، ويكتب تصحيحاته على النقل، ثم يأخذه صاحب المطبعة، ويكتفي به في التصحيح الحقيقي. ويكتفي عند الطبع بمن يصحح تصحيحا مطبعيا أعني الذي يطبق المطبوع على ذلك النقل.
ففي هذه الطريقة ثلاث أيد تناوب التصحيح.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وذكر محققو [موسوعة آثار المعلمي اليماني ط عالم الفوائد] أن المؤلف - رحمه الله -: كتب أولًا: "الثالثة"، ثم أصلحها.