فالنّاقِدُ يدْأبُ في التِّرْحالِ، والسماع، والكتابة، والتصنيفِ، والانتخابِ، على نحو ما سبق، ويُولِي عنايتهُ أثناء ذلك لأمور: منها:
١ - حصْرُ أحاديث من تدورُ عليهم الأسانيدُ في البلدان. وذلك بأن يجمع الناقدُ أحاديث كُلِّ واحدٍ منهم، مُبوِّبًا ذلك على شيوخه وتلاميذه.
قال عليّ بن المديني (١): "نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة: الزهري، وعمرو ابن دينار، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، وأبي إسحاق -يعني الهمداني- وسليمان الأعمش.
ثم صار علمُ هؤلاء الستةِ إلى أصحاب الأصْنافِ، فمِمّنْ صنّف من أهل الحجاز: مالكُ بن أنس، وابنُ جريج، ومحمدُ بن إسحاق، وسفيان بن عيينة.
ومن أهل البصرة: شعبةُ، وسعيدُ بن أبي عروبة، وحمادُ بن سلمة، ومعْمر، وأبو عوانة.
ومن أهل الكوفة: سفيانُ الثوري.
ومن أهل الشام: الأوزاعيُّ.
ومن أهل واسط: هُشيمٌ.
ثم صار علمُ هؤلاء الاثني عشر إلى ستةٍ: إلى يحيى بن سعيد -يعني القطان- وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن أبي زائدة، ويحيى بن آدم، وعبد الله بن المبارك". اهـ.
فكان الناقدُ يحفظ أحاديث كُلٍّ من هؤلاء، من طريق تلامذتهم الملازمين لهم، المعروفين بهم، وكان لبعض هؤلاء نسخٌ وصحائفُ بأحاديثهم التى حدّثُوا بها، بحيثُ يستطيع الناقدُ عن طريق هذا "الإحصاء" الدقيق لحديث كُلٍّ منهم أن يقُول
(١) "تقدمة الجرح والتعديل" (ص ٢٣٤ - ٢٣٥)، وهو في كتاب "العلل" لابن المديني (ص ٣٦ - ٤٠) بأطول مما هنا.