الأول: ما يخرجُ مَخْرَجَ الذم بدون قصد الحُكْم، وفي "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي هريرة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إنما محمد بشرٌ يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهدًا لم تُخْلِفْنِيه، فأيما مؤمن آذيتُه أو سببتُه أو جلدتُه، فاجعلها له كفارةً وقربةً تقربه بها إليك يوم القيامة". وفي رواية "فأي المسلمين آذيتُه، شتمتُه، لعنتُه، جلدتُه، فاجعلها له صلاة ... ".
وفيه نحوه من حديث عائشة، ومن حديث جابر، وجاء في هذا الباب عن غير هؤلاء، وحديثُ أبي هريرة في صحيح البخاري مختصرًا.
ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- سبَّابا، ولا شتَّاما، ولا لعانا، ولا كان الغضب يُخرجه عن الحق، وإنما كان كما نعته ربه عز وجل بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وقوله تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وقوله عز وجل:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
وإنما كان يرى من بعض الناس ما يضرهم في دينهم، أو يُخِلُّ بالمصلحة العامة، أو مصلحةِ صاحبِه نفسِه، فيكره -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وينكره، فيقول: "ما له تَربت يمينُه"، ونحو ذلك مما يكون المقصود به إظهار كراهية ما وقع من المدعو عليه، وشدة الإنكار لذلك، وكأنه -والله أعلم- أطلق على ذلك سبًّا وشتما على سبيل التجوز، بجامع الإيذاء، فأما اللعن فلعله وقع الدعاء به نادرًا عند شدة الإنكار.