عناية الأئمة بحفظ السنة واحتياطهم البالغ في نقد الرواة والأخبار
قال العلامة المعلمي في "الأنوار"(ص ٩٠):
"كان أهل العلم يشددون في اختيار الرواة أبلغ التشديد، جاء عن بعضهم -أظنه الحسن بن صالح بن حي- أنه قال: كنا إذا أردنا أن نسمع الحديث من رجل سألنا عن حالة حتى يقال: أتريدون أن تزوجوه؟
وجاء جماعة إلى شيخٍ ليسمعوا منه فرأوه خارجًا وقد انفلتت بغلته وهو يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها إياها، فلاحظوا أن المخلاة فارغة، فرجعوا ولم يسمعوا منه، قالوا: هذا يكذب على البغلة فلا نأمن أن يكذب في الحديث.
وذكروا أن شعبة كان يتمنى لقاء رجل مشهور ليسمع منه، فلما جاءه وجده يشتري شيئًا ويسترجح في الميزان، فامتنع شعبة من السماع منه.
وتجد عدة نظائر لهذا ونحوه في "كفاية" الخطيب (ص ١١٠ - ١١٤).
وكان عامة علماء القرون الأولى -وهي قرون الحديث- مقاطعين للخلفاء والأمراء، حتى كان أكثرهم لا يقبل عطاء الخلفاء والأمراء ولا يرضى بتولي القضاء، ومنهم من كان الخلفاء يطلبونهم ليكونوا بحضرتهم ينشرون العلم، فلا يستجيبون، بل يفرون ويستترون.
وكان أئمة النقد لا يكادون يوثقون محدثا يداخل الأمراء أو يتولى لهم شيئًا. وقد جرحوا بذلك كثيرًا من الرواة ولم يوثقوا ممن داخل الأمراء إلا أفرادا علم الأئمة