قال:(ص ٤٨ - ٥٠): "مذهب من يخرج الصحيح أن يعتبرَ حالَ الراوي العدل في مشايخه وفيمن روى عنهم وهم ثقات أيضًا، وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت يلزمه إخراجه، وعن بعضهم مدخول لا يصلح إخراجه إلا في الشواهد والمتابعات، وهذا بابٌ فيه غموضٌ، وطريقُهُ معرفةُ طبقاتِ الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم.
ولنوضح ذلك بمثال: وهو أن تعلم مثلا أن أصحاب الزهري على خمس طبقاتٍ متفاوتة، ولكل طبقةٍ منها مزية على التي تليها وتفاوت، فمن كان في الطبقة الأولى فهي في غاية الصحة وهو غاية قصد البخاري، نحو: مالك، وابن عيينة، وعبيد اللَّه ابن عمر، ويونس وعقيل ونحوهم.
والثانية: شاركتِ الأُولى في العدالة، غير أن الأُولى جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة (١) للزهري، حتى كان منهم من يلازمه في السفر ويلازمه في الحضر، والثانية لم تلزم الزهري إلا مدة يسيرة, ولم تمارس حديثه، وكانوا في الإتقان دون الطبقة الأصلى، وهم فرط مسلم، كالليث بن سعد، والأوزاعي، والنعمان بن راشد، وعبد الرحمن بن مسافر، ونحوهم.
(١) تَعَقَّبَهُ الأمير الصنعاني في "توضيح الأفكار" (١/ ١٠٣) بقوله: "هذا لا يوافق ما نُقل عن البخاري من أنه يشترط اللقاء ولو مرة, بل هذا يدل على أنه إنما يكتفي بالمرة في حق أهل الطبقة الثانية الذين أشار إليهم بقوله: وأنه قد يخرج أحيانا عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن رووا عنه فلم يلازموه إلا ملازمة يسيرة, وأن شرط مسلم عطف على قوله أن شرط البخاري أن يخرج أحاديث هذه الطبقة الثانية, لا يخفى أن مسلما لا يشترط اللقاء أصلا، كما صرح به في مقدمة صحيحة, كما يأتي لفظه، وأهل هذه الطبقة يشترط فيهم اللقاء ولو يسيرا كما عرفت".