ومن تلك الدلائل والحجج على ما ذكرتُ، أن من وُصف في كلام متأخري الحفاظ والمحققين بالعنت أو التشدد، سواء بإطلاق أو بالمقارنة بغيره، تجده في مواضع -ليست بالقليلة- يُجْمِلُ القولَ ويُسَهِّلُه فيمن يضعفه غيره، فإذا ثبت هذا وتكرر، دل على ما سبق من اعتماد ذلك على الاجتهاد والنظر، لا أنها صفةٌ لازمة لكل إمام لا ينفك عنها، بحيث يُرد جرحُه إذا لم يوافقه عليه غيره.
وفيما يخص أبا حاتم هنا، فهذه بعض المواضع التي تدل على ما أسلفتُه من عدم اطِّراد ما قيل بشأن تعنته في باب الجرح، أذكرها -على سبيل الاختصار- كنماذج على ما سبق:
[١ - أيوب بن سويد الرملي]
كلام الأئمة فيه شديد، فقد ضعفه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء يسرق الأحاديث ... وقال في رواية معاوية بن صالح عنه: كان يدعي أحاديث الناس.
وقال البخاري: يتكلمون فيه.
وهي كلمة شديدة كما مَرَّ، وقريب منها قول النسائي: ليس بثقة.
وذكره ابن حبان في "الثقات" لكنه قال: كان رديء الحفظ يخطىء، يُتقى حديثه من رواية ابنه محمد بن أيوب عنه ...
قلت: قد أورد له ابن عدي في ترجمته من "الكامل" مناكير من غير رواية ابنه عنه.
أما أبو حاتم فقد نقل عن ابن معين نحو ما سبق عنه، ولما سأله ابنه عنه قال:"هو لين الحديث". "الجرح"(٢/ ٢٥٠)