وصار ما ذكر في هذا الحديث من الاشتراط لا يراه البخاري حجة؛ لما سبق من الخلاف الواقع في إسناده، ولو كان يراه حجة لخرجه في باب الإحصار في الحج على سبيل اختلاف النصوص أو نحو ذلك، وهو أليقُ مكانٍ به.
لكنه نبَّه بإخراجه في كتاب النكاح إلى أنه -على الأقل- متوقف عن الحكم بمقتضاه فيما يتعلق بالاشتراط، وخرج في باب الإحصار من حديث ابن عمر ما يدل على خلاف مقتضاه، مكتفيًا بذلك، وهذا واضح بحمد اللَّه.
فالبحث هنا إنما هو في تصرف البخاري في أبوابه , وما يخرج فيها من الأحاديث؛ لتوافق رأيه وما ذهب إليه من الأحكام، لا مجرد إخراج الحديث بين دفتي "الصحيح"، بغض النظر عن ملابسات ومناسبات الأبواب؛ لأن من المعروف أن فقه البخاري في تراجم أبوابه.
والمتخصص إذا عزا حديثا للصحيحين؛ فحري به أن يذكر الباب الذي خرج فيه الحديث؛ ليلتفت الناظر إلى ما قد يدعوه إلى مطالعة الكتاب بنفسه.
ومثاله هنا: مَن أراد الاستدلال على قضية الاشتراط في الحج مثلا، فليس من الإنصاف مع البخاري و"صحيحه"، بل لا يُستبعد وصفُ ذلك بالقُصور المبعد عن حقيقة الحال أن يُعزى حديثُ أبي أسامة هذا إلى البخاري بإطلاق، دون التنبيه على كيفية إخراجه له، فأما إذا عزاه على النحو المذكور، ثم خالفَ البخاريَّ في نقده للحديث، فهذا أمر آخر، واللَّه الهادي إلى سواء السبيل.
[النموذج الثاني]
في باب: الرطب والتمر من كتاب الأطعمة (٩/ ٤٧٧ - فتح).
أخرج البخاري (٥٤٤٣) حديث إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان بالمدينة يهودي، وكان يسلفني في تمري