وهذا فهم دقيقٌ، تَدْعَمُه الممارسَةُ المَرِنَةُ للصحيحين، وهو سبيلٌ لم يُطْرَقْ بالقَدْر الكافي من المحققين.
وهذه الأحرف المشار إليها، والتي يعرفها الحذاق من أهل الاختصاص، لا تُعكر على أصل وضع "الصحيح" كما يتوهمه أكثر المعترضين، بل هي كالفوائد والنِّكات الإسنادية والمَتْنِيَّة، لم ير الشيخان إخلاءَ الكتابين منها، وهي دليلُ البراعة والتمكن، خلافا لمن لم يقبل ذلك، فعاد عليهما بالانتقاد والتناقض أحيانا.
ويبقى أن لكلٍّ من صاحبي "الصحيح" طريقته في سَوْق وعرض تلك الفوائد، يحتاج كل منهما إلى أن يُفرد بالبحث، للاقتراب من التصور المقبول لذلك.
وأنا أسوق في هذا القسم بعضَ النماذج التي تُلاحظُ بممارسة الصحيحين، أَعرضها على الباحثين للنظر في مدلولاتها، عسى أن تصلح نواةً لهذا المبحث، ودَرءا لما يكون أحيانا سببًا في توجيه نَقْدٍ أو رَمْي بنقصٍ لأحدهما.
أما البخاري فهناك ثلاثة نماذج نستعرضها للتأمل فيها، وأما مسلم فنؤخره إلى ترجمته:
[النموذج الأول]
في باب: الأكفاء في الدِّين، من كتاب النكاح:
قال البخاري (٥٠٨٩): حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة, عن هشام، عن أبيه, عن عائشة قالت: دخل رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- على ضباعة بنت الزبير فقال لها: لعلك أردت الحج. قالت: واللَّه لا أجدني إلا وجعة. فقال لها: حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني، وكانت تحت المقداد بن الأسود. اهـ.