وأما غُلاةُ المُقَلِّدين فأمرهم ظاهر، وذلك أن المتبوعَ قد لا تبلغُه السُّنُّة، وقد يغفلُ عن الدليل أو الدلالة، وقد يسهو أو يخطىء أو يَزِلّ، فيقع في قولٍ تجيء الأحاديث بخلافِه، فيحتاج مقلدُوه إلى دفعها والتمحل في ردها، ولو اقتصر الأستاذ على نحو ما عُرف عنهم لَهان الخَطْبُ، ولكنه يَعُدُّ غُلُوَّهم تقصيرًا.! ". اهـ.
[٣٠ - المتكلمون، وأثرهم في علوم السنة]
قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (١/ ٢٥) تكملةً للموضع السابق:
"أما المتكلمون فأوَّلُ مَنْ بلَغَنا أنه خاض في ذلك: عمرو بن عبيد، ذُكر له حديثٌ يخالف هواه، رواه الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمرو:"لو سمعتُ الأعمشَ يقولُ هذا لكذَّبْتُه، ولو سمعتُه من زيد بن وهب لما صدَّقْتُه، ولو سمعتُ ابنَ مسعود يقوله لما قبلتُه، ولو سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا لرددتُّه، ولو سمعتَ الله عز وجل يقول هذا لقلتُ: ليس على هذا أخذتَ ميثاقنا".
وتعدَّى إلى القرآن، فقال في:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}: "لم يكونا في اللوح المحفوظ" كأنه يريدُ أن الله تبارك وتعالى لم يكن يعلمُ بما سيكونُ من أبي لهب ومن الوحيد.
ثم كان في القرن الثاني جماعةٌ ممن عُرف بسوء السيرة، والجهل بالسنة، ورِقَّةِ الدين؛ كثمامة بن أشرس والنظام والجاحظ، خاضوا في ذلك، كما أشار إليه ابن قتيبة وغيره, وجماعة آخرون كانوا يتعاطون الرأي والكلام، يردُّون الأخبار كلها، وآخرون يردُّون أخبارَ الآحاد، أي ما دون المتواتر، كَسَر الله تعالى شوكتهم بالشافعي، حتى إن شيوخه ومن في طبقتهم من الأكابر كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي انتفعوا بكتبه.