الحديث في "صحيح البخاري" وفيه: "حدثنا قتادة حدثنا أنس ... " وفي "مسند أحمد" وفيه: "أن قتادة أن أنسًا أخبره ... " أجاب في "الترحيب"(ص ٤٩) بقوله: "مِنْ مذهب أبي حنيفة أيضًا كما يقول ابن رجب في "شرح علل الترمذي" ردُّ الزائد إلى الناقص في الحديث متنًا وسندًا، وهذا احتياطٌ بالغٌ في دين الله ... فهل عرفتَ الآن يا معلمي مذهبَ الإمام لتقلع عن نسج الأوهام".
هذا، والأستاذ يعلم:
أولًا: أن النسبة إلى أبي حنيفة لا يَكفي في إثباتها قولُ رجلٍ حنبلي بينه وبين أبي حنيفة عدةُ قرون!
ويعلم ثانيًا: ما في كتب مذهبه مما يخالف هذا.
ويعلم ثالثًا: أن قولَ الراوي: "قتادة عن أنس" وقوله مرة أخرى أو قول غيره: "قتادة حدثنا أنس" ومرة أخرى: "قتادة أن أنسًا أخبره" ليس من باب النقص والزيادة، وإنما هو من باب المحتمل والمعين أو المجمل والمبين.
ويعلم رابعًا: أن أصلَ الحنفية الاحتجاجُ بالمنقطع، فما لم يتبين انقطاعُه -بل هو متردد بين الاتصال والانقطاع- أَوْلَى، فإذا ثبت مع ذلك اتصالُه من وجهٍ آخر فآكدُ.
ويعلم خامسًا: أنه لا ينبغي له أن يدافع عن نفسه بإلقاء التُّهَمِ على إمامه.
فأما الاحتياط البالغ في دين الله الذي يُموه به الأستاذ: فالتحري البالغ الذي سبق ما فيه في الفصل الثالث، فلا نعيده.
والمقصود هنا أن أصحاب الرأي لهم عادةٌ ودربةٌ في دفعِ الروايات الصحيحة، ومحاولةِ القدح في بعض الرواة حتى لم يسلم منهم الصحابة -رضي الله عنهم-، على أن الأستاذ لم يقتصر على كلام أسلافه وما يقرب منه، بل أَرْبَى عليهم جميعًا كما تراه في (الطليعة)، ويأتي بقيته في التراجم إن شاء الله تعالى.