للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما أخذوا بشيء من النقل، ثم بلغهم من السنة ما يخالفه، فأعجزهم أن ينظروا كما ينظر أئمة الحديث لمعرفة الصحيح من السقيم والخطأ من الصواب والراجح من المرجوح، فقنعوا بالرأي، كما ترى أمثلةً لذلك في قسم الفقهيات، ولا سيما في مسألة: ما تُقطع فيه يدُ السارق، وهذا دَيدنُهم، وعليه يعتمدُ الطحاوي وغيرُه منهم.

ولهذا بينما تجد الحنفيةَ يتبجحون بأن مذهبَ أبي حنيفة وسائرِ فقهاءِ العراق تقديمُ الحديث الضعيف على القياس -وقد ذكر الأستاذ ذلك في "التأنيب" (ص ١٦١) - إذا بهم يردُّون كثيرًا من الأحاديث الصحيحة لمخالفتها آراء سلفِهم وآراءهم التي أخذوا بها، وقد كان الشافعي ينعى عليهم ذلك، ومن كلامه كما في (سنن البيهقي) ج ١ ص ١٤٨:

"والذي يزعم أن عليه الوضوء في القهقهة يزعم أن القياس أن لا ينتقض ولكنه يتبع الآثار، فلو كان يتبع منها الصحيح المعروف كان بذلك عندنا حميدًا، ولكنه يرد منها الصحيح الموصول المعروف ويقبل الضعيف المنقطع".

فالحنفية يعرفون شناعةَ ردِّ السنة بالرأي، ولكنهم يتلمسون المعاذير، فيحاولون استنباطَ أصولٍ يمكنهم إذا تشبثوا بها أن يعتذروا عن الأحاديث التي ردوها بعذرٍ سوى مخالفة القياس، وسوى الجمود على اتباع أشياخهم، ولكن تلك الأصول مع ضعفها لا تطرد لهم؛ لأن أشياخهم قد أخذوا بما يخالفها، ولهذا يكثر تناقضهم، وفي مناظرات الشافعي لهم كثير من بيان تناقضهم.

بل من تدبر ما كتبوه في أصول الفقه، بانَ له كثيرٌ من التناقض، كما ترى المتأخرُ منهم يخالفُ المتقدمَ، حتى إن الأستاذ الكوثري ذكر في "التأنيب" (ص ١٥٢ - ١٥٣) عدةَ أصولٍ لمحاربة السنن الثابتة, ومنها ما خالفَ فيه من تقدمه منهم، ولمَّا تعقبتُه في "الطليعة" (ص ١٠٢) في قوله: "عنعنة قتادة متكلم فيها" بأن ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>