"التابعي: من أدرك بعض الصحابة، ورأى بعضهم، وسمع منه سماعا يُعتد به بأن يكون السامع مميزا، وقيل بل تكفي الرؤية مع التمييز.
والذي يظهر في حديث: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم" أن الدخول في الذين يلونهم يشترط فيه زيادة على ما تقدم.
قال ابن الأثير في "النهاية" عن أبي عبيد الهروي فيه: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم" يعني: الصحابة ثم التابعين, والقرن أهل كل زمان وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران، وكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم، وأحوالهم، وقيل القرن: أربعون سنة، وقيل: ثمانون, وقيل: مائة".
أقول: والقول الثاني كأنه ضابط تقريبي للأول.
هذا، والقرون تتداخل -أعني أن القرن الأول إذا أخذ في النقصان أخذ الذي يليه في الزيادة, وهكذا- فقد يقال: إن قرنه -صلى الله عليه وسلم- بقي على الغلبة إلى تمام ثلاثين سنة من الهجرة، ثم أخذ في الضعف، وذلك حين بدأ الناس في الإنكار على أمراء عثمان، وأخذ القرنان يصطرعان، فكان بعد خمس سنين قبل عثمان، وذلك مصداق حديث البراء بن ناجية, عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما، قال: فقلت: مما بقى أو مما مضى؟ قال: مما مضى"(١).
(١) أخرجه أبو داود (٤٢٥٤) (٢/ ٤٥٤)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (٢/ ٢٣٦)، والبغوي في "شرح السنة" (٤٢٢٥) (١٥/ ١٧)، كلهم من طريق منصور عن ربعي عن البراء به.