المحدث قد يمتنع عن الرواية عن شيخ ثم يضطر إلى بعض حديثه، هذا على فرض ثبوت الامتناع، فكيف وهو غير ثابت هنا؟ بل قد جاء عن قيس عن عمرو حديث آخر، روى وهب بن جرير عن أبيه قال: سمعت قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار ... ووهب وأبوه من الثقات الأثبات.
ذكر البيهقي ذلك في الخلافيات ثم قال:"ولا يبعد أن يكون له عن عمرو غير هذا" نقله ابن التركماني في (الجوهر النقي)، ثم راح يناقش البيهقي بناءًا على ما توهموه أن مقصود الطحاوي الانقطاع ودعوى أنه لم يثبت لقيس لقاء عمرو، وقد مر إبطال هذا الوهم، والطحاوي أعرف من أن يدعي ذلك لظهور بطلانه، مع ما يلزمه من اتهام قيس بالتدليس الشديد الموهم للقاء والسماع على فرض أن هناك مجالًا للشبك في اللقاء، وقد بينا أن الطحاوي إنما حام حول الامتناع، والحق أنه لا امتناع.
ولكن قيسًا عاجله الموت، ولما كان يحدث في حلقته في المسجد الحرام كان عمرو حيًا في المسجد نفسه، ولعل حلقته كانت بالقرب من حلقة عمرو فكان قيس يرى أن الناس في غنى عن السماع منه من عمرو لأن عمرًا معهم بالمسجد، فكان قيس يحدث بما سمعه من أكابر شيوخه فإن احتاج إلى شيء من حديث عمرو في فتوى أو مذاكرة فذكره، قام السامعون أو بعضهم فسألوا عمرًا عن ذلك الحديث فحدثهم به فرووه عنه ولم يحتاجوا إلى ذكر قيس ... اهـ.
[٤ - عادة المحدثين إثبات سماع الحاضرين في مجالس السماع]
قال الشيخ المعلمي في ترجمة ابن المذهب من "التنكيل"(١/ ٢٤٢):
"جرت عادتهم -يعني المحدثين- بكتابة السماع وأسماء السامعين في كل مجلس، فمن لم يُسمع له في بعض المجالس دل ذلك على أنه فاته فلم يسمعه، فإذا ادعى بعد ذلك أنه سمعه ارتابوا فيه؛ لأنه خلاف الظاهر، فإذا زاد فألحق اسمه أو تسميعه بخط يحكي به خط كاتب التسميع الأول قالوا: زوَّر اهـ