قلت: بل قد يكون لسبب آخر، كما امتنع ابن وهب من الرواية عن المفضل بن فضالة القتباني لأنه قضى عليه بقضية، وامتنع مسلم من الرواية عن محمد بن يحيى الذهلي لما جرى له معه في شأن اختلافه مع البخاري.
فكأن الطحاوي رأى أن قيس لو كان يروي عن عمرو لجاء من روايته عنه عدة أحاديث؛ لأن عَمرًا كان أقدم وأكبر وأجل، وقد سمع من الصحابة، وحديثه كثيرٌ مرغوب فيه، وكان قيس معه بمكة منذ ولد، فحدس الطحاوي أن قيسًا كان ممتنعًا من الرواية عن عمرو، فلما جاء هذا الحديث استنكره كما قد نستنكر أن نرى حديثًا من رواية ابن وهب عن المفضل، أو من رواية مسلم عن محمد بن يحيى. فإن قيل: فقد يكون لاستنكاره خشي انقطاعه.
قلت: كيف يبنى على ظن امتناع قيس من الرواية عن عمرو نفسه أن يحمل هذا الحديث على أنه أرسله عنه؟ بل المعقول أنه إذا امتنع من الرواية عنه نفسه كان أشد امتناعًا من أن يروي عن رجل عنه، فضلًا عن أن يرسل عنه -أو بعبارة أخرى- يدلس، وقيس غير مدلس.
فإن قيل: فعلى ماذا يحمل؟
قلت: أما الطحاوي فكأنه خشي أن يكون سيف وهو راوي الحديث عن قيس - أخطأ في روايته عن قيس عن عمر.
فإن قيل: فهل تقبلون هذا من الطحاوي؟
قلت: لا؛ فإن أئمة الحديث لم يعرجوا عليه، هذا البخاري مع استبعاده لصحة الحديث فيما يظهر إنما حدس أن عمرًا لم يسمعه من ابن عباس، وذلك يقضي أن الحديث عنده ثابت عن عمرو، وهذا مسلم أخرج الحديث في (صحيحه)، وثبته النسائي وغيره. وليس هناك مظنة للخطأ، وسيف ثقة ثبت لو جاء عن مثله عن ابن وهب عن المفضل بن فضالة، أو عن مسلم عن محمد بن يحيى لوجب قبوله، لأن