إنه قد استقر في الأذهان، واستغنى عن إقامة البرهان: ما للعلم من الشرف والفضيلة، وأنه هو الوسيلة لرفع الإنسان في المعنى عما ارتفع عنه في الصورة من البهائم.
* * *
ومما لا نزاع فيه أن العلوم تتفاوت في مقدار ذلك الشرف، منها الشريف والأشرف، والمهم والأهم.
ومهما يُتصور لعلوم الفلسفة، والطبيعيات، والرياضيات، والأدبيات، والصناعيات، وغيرها من العلوم الكونيات -مهما يُتصور لها من الشرف والفضيلة، والمرتبة الرفيعة- فإنها لا تداني في ذلك العلم -الذي مع مشاركته لها في ترقية المدارك، وتنوير العقول- ينفرد عنها بإصلاح الأخلاق، وتحصيل السعادة الأبدية، وهو علم الدين.
مهما ترقى الإنسان في الصنائع والمعارف الكونية، وتسهيل أسباب الراحة، فإن ذلك إن رَفَعَهُ عن البهيمية من جهةٍ، فإنه ينزل به عنها من جهةٍ أخرى، ما لم تتطهر أخلاقه، فيتخلق بالرأفة والرحمة والإيثار والعفة والتواضع والصدق والأمانة والعدل والإحسان، وغيرها من الأخلاق الكريمة.