كل من كان له وقوف على الأمم والأفراد في هذا العصر، علم أنه بحقٍّ يُسَمَّى عصر العلم، ولكنه يرى أنه مع ذلك يجب أن يُسَمَّى -بالنظر إلى تدهور الأخلاق- اسما آخر ..
النفوس الأرضية تربةٌ، من شأنها أن تنبت الأخلاق الذميمة ما لم تُسْقَ بماء الإيمان الطاهر، وتشرق عليها شمس العلم الديني الصحيح، وتَهُبُّ عليها رياح التذكير الحكيم.
فأي أرضٍ أُمحلت من ذلك الماء، وحُجب عنها شعاع تلك الشمس، وسُدت عنها طرق تلك الرياح، كان نباتها كما قال الملائكة عليهم السلام:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}[البقرة: ٣٠].
* * *
للدين -وهو الإسلام- ينبوعان عظيمان: كتاب الله عز وجل، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ..
* * *
السنة عبارة عما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأقوال والأفعال وغيرها، مما هو تبيينٌ للقرآن، وتفصيلٌ للأحكام، وتعليمٌ للآداب، وغير ذلك من مصالح المعاش والمعاد.
* * *
أول من تلقى السنة هم الصحابة الكرام، فحفظوها وفهموها، وعلموا جملتها وتفصيلها، وبَلَّغُوها -كما أُمروا- إلى من بعدهم.
ثم تلقَّاها التابعون، وبلَّغُوها إلى مَنْ يليهم ... وهكذا، فكان الصحابي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كيت وكيت، ويقول التابعي: سمعت فلانا الصحابي يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقول الذي يليه: سمعت فلانا يقول: سمعت فلانا الصحابي يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا.