كل من علم أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء، وأن شريعته خاتمة الشرائع، والحياة الأبدية في اتباعه: يعلم أن الناس أحوج إلى حفظ السنة منهم إلى الطعام والشراب.
قد وقعت الرواية ممن يجب قبولُ خبره وممن يجب ردُّه، وممن يجب التوقف فيه، وهيهات أن يُعرفَ ما هو من الحق الذي بلغه خاتم الأنبياء عن ربه عز وجل، وما هو الباطل الذي يبرأ عنه الله ورسوله، إلا بمعرفة أحوال الرواة.
وهكذا الوقائع التاريخية، بل حاجتها إلى معرفة أحوال رواتها أشدة لغلبة التساهل في نقلها.
على أن معرفة أحوال الرجال هي نفسها من أهم فروع التاريخ، وإذا كان لابُدَّ من معرفة أحوال الرواة، فلا بد من بيانها، بأن يُخبر كُلُّ من عَرف حالَ راوٍ بحاله؛ ليعلمه الناس، وقد قامت الأمة بهذا الفرض كما ينبغي.
* * *
أول من تكلم في أحوال الرجال: القرآن، ثم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم أصحابه، والآيات كثيرة في الثناء على الصحابة إجمالا، وذم المنافقين إجمالا، ووردت آيات في الثناء على أفراد معينين من الصحابة -كما يُعلم من كتب الفضائل- وآيات في التنبيه على نفاق أفراد معينين، وعلى جرح أفراد آخرين.
وأشهر ما جاء في هذا قوله تعالى:{... إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ}[الحجرات: ٦] نزلت في رجل بعينه، كما هو معروف في موضعه، وهي مع ذلك قاعدة عامة.
* * *
وثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديثُ كثيرةٌ في الثناء على أصحابه جملةً، وعلى أفراد منهم معينين، معروفةٌ في كتب الفضائل، وأخبار أخر في ذم بعض الفرق إجمالا، كالخوارج، وفي تعيين المنافقين وذم أفراد معينين، كعيينة بن حصن، والحكم بن أبي العاص.