وثبتت آثار كثيرة عن الصحابة في الثناء على بعض التابعين، وآثار في جرح أفراد منهم.
* * *
وأما التابعون، فكلامهم في التعديل كثير، ولا يُروى عنهم من الجرح إلا القليل، وذلك لقربِ العهد بالسراج المنير -عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم-، فلم يكن أحدٌ من المسلمن يجترىء على الكذب على الله ورسوله.
وعامة المُضَعَّفِين من التابعين إنما ضُعِّفُوا للمذهب؛ كالخوارج، أو لسوء الحفظ أو للجهالة.
ثم جاء عصر أتباع التابعين فما بعده، فكثر الضعفاء، والمغفلون، والكذابون، والزنادقة، فنهض الأئمة لتبيين أحوال الرواة وتزييف ما لا يثبت، فلم يكن مصر من أمصار المسلمين إلا وفيه جماعة من الأئمة يمتحنون الرواة، ويختبرون أحوالهم وأحوال رواياتهم، ويتتبعون حركاتهم وسكناتهم، ويُعلنون للناس حكمهم عليهم.
* * *
استمر ذلك إلى القرن العاشر، فلا تجد في كتب الحديث اسمَ راوٍ إلا وجدت في كتب الرجال تحقيقَ حالِه، وهذا مصداق الوعد الإلهي -قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة، وتلا قول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩].
* * *
وكان نشاط الأئمة في ذلك آية من الآيات؛ فمن أمثلة ذلك: قال العراقي في شرح "مقدمة ابن الصلاح": روينا عن مؤمل أنه قال: حدثني شيخ بهذا الحديث -يعني حديث فضائل القرآن سورة سورة- فقلت للشيخ: من حدثك؟ فقال حدثني رجل بالمدائن وهو حي، فصرت إليه، فقلت: من حدثك؟ فقال: حدثني شيخ بواسط، وهو حي، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بالبصرة، فصرت إليه، فقال: