"اشتهر بين أهل العلم أن مما يخرم العدالة تعاطي ما ينافي المروءة، وقيَّده جماعة بأن يكثر ذلك من الرجل حتى يصير إخلاله بما تقتضيه المروءة غالبًا عليه.
قال الشافعي: تعالى: "ليس من الناس أحد نعلمه -إلا أن يكون قليلًا- يمحص الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بمعصية، ولا يمحص المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما شيئا من الطاعة والمروءة، فإذا كان الغالب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة قُبلت شهادته، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة رُدَّت شهادته" "مختصر المزني بهامش الأم" (٥/ ٢٥٦).
أقول: ذكروا أن المدار على العُرْف، وأنه يختلف باختلاف حال الرجل وزمانه ومكانه، فقد يُعَدُّ الفعل خرمًا للمروءة إذا وقع من رجل من أهل العلم، لا إذا كان من فاجر -مثلًا- وقد يُعَدُّ ذلك الفعل من مثل ذلك الرجل خَرْمًا للمروءة في الحجاز -مثلًا- لا في الهند، وقد يُعَدُّ خرمًا للمروءة إذا كان في الصيف لا إذا كان في الشتاء، أو يُعَدُّ خرمًا في عصر ثم يأتي عصر آخر لا يُعَدُّ فيها خرمًا.
ثم أقول: لا يخلو ذلك الفعل الذي يَعُدُّهُ أهل العُرْف خرمًا للمروءة عن واحد من ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون -مع صرف النظر عن عُرْف الناس- مطلوبًا فعله شرعا وجوبًا أو استحبابًا.