الثاني: أن يكون مطلوبًا تركه بأن يكون حرامًا أو مكروهًا أو خلاف الأولى.
الثالث: أن يكون مباحًا.
فأما الأول: فلا وجه للالتفات إلى العُرف فيه؛ لأنه عرف مصادم للشرع، بل إذا ترك ذلك الفعلَ رجلٌ حفظًا لمروءته في زعمه كان أحق بالذم ممن يفعله لمجرد هواه وشهوته.
وأما الثاني: فالُعْرف فيه مُعاضد للشرع، فالاعتداد به في الجملة متجه؛ إذ يقال في فاعله: إنه لم يستح من الله عز وجل ولا من الناس، وضعف الحياء من الله عز وجل ومن الناس أبلغ في الذم من ضعف الحياء من الله عز وجل فقط، وتقدم حديث:"كل أمتي معافى إلا المجاهرين".
وأما الثالث: فقد يقال: يلتحق بالثاني؛ إذ ليس في فعل ذلك الفعل مصلحة شرعية، وفيه مفسدة شرعية، وهي تعريض النفس لاحتقار الناس وذمهم.
هذا وقد يقال: إذا ثبت صلاح الرجل في دينه بأن كان مجتنبًا الكبائر والصغائر غالبًا فقد ثبتت عدالته، ولا يلتفت إلى خوارم المروءة؛ لأن الظاهر في مثل هذا أنه لا يتصور فيه أن يكون إخلاله بالمروءة غالبًا عليه، وعلى فرض إمكان ذلك فقد تبين من قوّة إيمانه وتقواه وخوفه من الله عز وجل ما لا يحتاج معه إلى معاضدة خوفه من الناس، بل يظهر في هذا أن عدم مبالاته بالناس إنما هو من كمال إيمانه وتقواه.
وأما من كثر منه ارتكاب الصغائر ومع ذلك كثر منه مخالفة المروءة, ولم يبلغ أن يقال معاصيه أغلب من طاعاته، فهذا محل نظر، وفَصْل ذلك إلى المُعَدِّل: فإن كان يجد نفسه غير مطمئنة إلى صدقه فليس ممن يُرْضى، وقد قال الله عز وجل {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}. اهـ.