"وأما الانقطاع بين قيس وعمرو فلا وجه له، ولم يقله من يعتد به ... وقيس ولد بعد عمرو ومات قبله، وكان معه في مكة وسمع كل منهما من عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم، وكان عمرو لا يدع الخروج الى المسجد الحرام والقعود فيه إلي أن مات، كما تراه في ترجمته من (طبقات ابن سعد)، وكان قيس قد خلف عطاء في مجلسه كما ذكره ابن سعد أيضا، وسمع عمرو من ابن عباس وجابر وابن عمر وغيرهم ولم يدركهم قيس، فهل يظن بقيس أنه لم يلق عمرا وهو معه بمكة منذ ولد قيس إلى أن مات؟ أو لم يكونا يصليان في المسجد الحرام الجمعة والجماعة؟ أو لم يكونا يجتمعان في حلقة عطاء وغيره في المسجد ثم كان لكل منهما حلقة في المسجد قد لا تبعد إحدى الحلقتين عن الأخرى إلا بضعة أذرع. أو يظن بقيس أنه استنكف السماع من عمرو لأنه قد شاركه في صغار مشايخه ثم يرسل عنه إرسالا؟ ...
وسبب الوهم في هذا أن الطحاوي ذكر هذا الحديث فقال: "وأما حديث ابن عباس فمنكر لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء" فتوهم جماعة من -آخرهم الأستاذ الكوثري- أن الطحاوي قصد بهذا أن قيسا عن عمرو منقطع لعدم ثبوت اللقاء بناء على القول باشتراط العلم به، القول الذي رده مسلم في مقدمة (صحيحه)، ونقل إجماع أهل العلم على خلافه.
وعبارة الطحاوي لا تعطي ما توهموه فإنه ادعى أن الحديث منكر، ثم وجه ذلك بقوله: "لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء" ولم يتعرض لسماعه منه ولقائه له بنفي ولا إثبات.
ولا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع؛ فإن كثيرًا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم ثم لم يحدثوا عنهم بشيء.
فإن قيل: إنما ذاك لاعتقادهم ضعف أولئك المشايخ، وعمرو لم يستضعفه أحد.