إلى الجذاذ ... ، فجاءني اليهودي عند الجذاذ، ولم أجد منها شيئا، فجعلت أستنظره إلى قابل، فيأبى، فأخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ... فقمتُ، فجئتُ بقليل رطب، فوضعته بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأكل ...
فأقول:
في هذا الحديث قضيتان، قد استشكلهما بعضُ المحققين:
أولهما: أن فيه أن قصة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في النخل بالبركة كانت فيما كان على جابر من الدَّيْن، وإنما المحفوظ المعروف أنها كانت فيما كان على والد جابر.
هكذا أخرجه البخاري في غير موضع موصولا ومعلقا في مواضعه المعهودة, منها (٢٣٩٥)(٢٦٠١)(٢٧٨١)(٣٥٨٠)(٤٠٥٣).
القضية الثانية: أن في هذا الحديث "السَّلف إلى الجذاذ" وهذا لا يقول به البخاري ولا يجيزه هو، هكذا قال الإسماعيلي، كما نقله عنه ابن حجر في "الفتح"(٩/ ٤٧٩)، وهذا واضح جدًّا؛ فقد اعتمد البخاري في كتاب السَّلَم من "صحيحه"(٤/ ٥٠٠): "السَّلَم إلى أجل معلوم" لم يذكر غيره، وهو الموضع اللائق بكل ما يتعلق بـ:"السَّلَم" شريطة أن تكون النصوص يراها البخاري حُجة في بابها، بغض النظر عن رجحان بعضها على بعض لأسباب خارجة عن صحتها في نفسها.
فإذا أبعد البخاري حديث إبراهيم هذا عن كتاب السَّلَم، مع اشتماله على ما هو صريح في بابه، ووضعه في كتاب آخر لأجل ما فيه من أكل "الرطب"، فإن ذلك يدل للمتأمل أن البخاري لا يرى أن عبارة:"كان يسلفني في تمري إلى الجذاذ" محفوظة، وهذه إشارةٌ بديعةٌ، لا تصدر إلا من مثل البخاري في براعته، فإذا أراد أحدهم أن يستدل لمن يقول بالسلم إلى الجذاذ بتصحيح البخاري هذا الحديث، محتجا بأنه مخرج في "الصحيح"، لكان هذا محل نظر كبير وتعجب طويل.