نعم، يمكن أن يُختلف مع البخاري، أو يخالِف في ذلك مَنْ يرى من المحققين صحةَ الحديث بلفظه وسياقه هذا، متجشما تأويله وتوجيهه.
فبينما ذهب الإسماعيلي -ومثله ابن التين- إلى شذوذ هذه الرواية لما فيها من جعل الدَّيْن لجابر وليس لوالده، دفع ذلك ابنُ حجر بتعدد القصة، وأنه لا مانع من وقوعها لدَيْن جابر ودَيْن أبيه.
وكذلك قول الإسماعيلي: السَّلَف إلى الجذاذ مما لا يجيزه البخاري وغيره، فقد ذهب ابن حجر إلى أنه وقع في الاقتصار على الجذاذ اختصار، وأن الوقت كان في أصل العقد معيَّنًا.
نتجاوز هنا القضية الأولى لقبولها الأخذ والرد والاحتمال، أما القضية الثانية فقد اتفق ابن حجر مع الإسماعيلي على أن لفظ "السَّلم إلى الجذاذ" لا يصح، ولا يُراد مدلولُه، وأوَّلَهُ ابن حجر بأنه لفظٌ "مختصر" عن أصل كلام العقد، ولا يخفى على الحافظ ابن حجر أن "الاختصار" -لو كان هو الواقع هنا- هو أحد مداخل الخلل وأسباب التعليل التي يُعِلُّ بها النقادُ أحيانا بعضَ المتون، وهو منتشر في كلامهم، فثبت الاتفاق بين المُنْكِر والمؤَوِّل على أن هذا اللفظ غير موافق لواقع الحال، فهو خطأ.
وهذا هو المراد لمن تأمل هذا الموضع: أن البخاري خرج هذا الحديث في كتاب الأطعمة، وهو لا يرى أن جميعَ لفظه محفوظ، بل أراد أن يضرب بسهم واحد غرضين:
الأول: الاستفادة من اشتماله على أكل الرطب وحده, وقد بوَّب قبله على أكل القثاء بالرطب.
الثاني: الإشارة إلى ما وقع في رواية إبراهيم بن أبي ربيعة هذا من الأوهام في متنه.