أما سعيد بن جبير فإني لم أر أحدًا ذكر أن علما روى عنه أصلًا، فضلًا عن أن يكون سمع منه التفسير. وقد قال المزي في ترجمة عليّ من "تهذيب الكمال" (٢٠/ ٤٩٠): "روى عن عبد الله بن عباس مرسل، بينهما مجاهد" اهـ. وقال الذهبي في "الميزان": "أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد، فلم يذكر مجاهدًا، بل أرسله عن ابن عباس. . روى معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس تفسيرًا كبيرًا ممتعًا". اهـ. ونقل السيوطي في آخر كتابه "الدر المنثور" (٨/ ٦٩٩) عن الحافظ ابن حجر في كتابه "العجاب في بيان الأسباب" قوله: "عليّ صدوق، ولم يلق ابن عباس، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة" اهـ. أقول: سبق أنه لم يصرح أحدٌ من المتقدمين بأن عليًّا إنما سمع تفسير ابن عباس من مجاهد، وقول الحافظ ابن حجر "لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه" توسع غير مقبول؛ لأنهم لم يذكروا في شيوخ عليّ ممن يروي عن ابن عباس سوى مجاهد والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. والظاهر أنهم أخذوا ذلك توهمًا من قول دحيم السابق، ومن ثبوت رواية عليّ عن مجاهد -كما ذكره البخاري في التاريخ وأبو حاتم وغيرهما وأسنده دحيم بإسناد صحيح- وأن عليًّا لم يرو عن أحدٍ ممن روى عن ابن عباس سوى مجاهد والقاسم، فتحصل عندهم من ذلك أن عليًّا إنما أخذ التفسير عن مجاهد؛ لأنه لا سبيل له إلى ابن عباس -مع ثبوت عدم سماعه منه- إلا ذلك؛ وذلك أنَّ مجاهدًا معروفٌ برواية التفسير دون القاسم. لكن يبقى أنه ليس بكافٍ في الجزم بما سبق من الحصر، لأنه قد يَسمع عليٌّ من غير مجاهد عن ابن عباس فيرسله، ولا يذكر مَنْ أخذ عنه في شيء من روايته حتى يُعرف بأنه من شيوخه، ولا يخفى احتمال ضعف بعض هؤلاء الذين سمع منهم فأسقطهم. ثم إنَّ عليًّا في نفسه -وإن كان صدوقًا- إلا أنه ليس مِمَّنْ يُحتَج به. فالإمام أحمد وإن وثقه في روايةٍ، فقد قال مَرَّة، له أشياء مناكير. وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (٢/ ٤٥٧): "ضعيف الحديث منكر ليس بمحمود المذهب" وقال في موضع آخر من المعرفة أيضًا (٣/ ٦٥): "ليس هو بمتروك ولا حجة هو". وسبق قول أبي أحمد الحاكم فيه. =