والعُرَنيون لم يتحقق منهم كذب، فلعلهم كانوا صادقن في إسلامهم، وإنما بدا لهم أن يرتدّوا لما وجدوا أنفسهم منفردين بالإبل والراعي بعيدًا عن المدينة.
وقصة بئر معونة اختلف فيها فلم يتحقق فيها شاهد على ما نحن فيه. راجع "فتح الباري"(٧/ ٢٩٦).
وقصته مع بعض أزواجه أراها في "الصحيحين"عن عائشة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيَّنَنَا دخل عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فلتقل: إنِّي لأجد منك ريح مغافير، أكلتَ مغافير؟ فدخل على إحديهما، فقالت له ذلك فقال: لا بل شربتُ عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزلت:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}، إلى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لعائشة وحفصة ... ".
وتمام الآية {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- صدَّق المرأة أن لذاك العسل رائحة كريهة، لكان امتناعه لكراهيتها، وكذلك كان خلقه الكريم المطلوب منه شرعًا، وسياق الآية يخالف ذلك كما هو واضح.
فالذي يظهر أنه -صلى الله عليه وسلم- فطن للحيلة، وعلم أن قائلة ذلك إنما غارت لطول مكثه عند ضرتها وانفرادها بسقيه العسل الذي يحبه، فحملتها شدة المغيرة، فتكرم فلم يكاشفها، وامتنع من شرب العسل عند ضرتها تطييبًا لنفسها.
وأما تردده في قصة الإفك فليس فيه ما يوهم التصديق ولا ظن الصدق.
وأما قوله:"فأحسب أنه صادق" فالحسبان هو الظن، ولينظر سند هذه الحكاية. اهـ.