فعلمنا أن البيان الذي في قوله {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} غير البيان الموكول إلى الرسول. ففي القرآن سوى البيان المفصل الوافي بيانٌ مجملٌ، وهو ضربان:
الأول: الأمر بالصلاة والزكاة والحج والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، والنهي عن الفحشاء والنكر والبغي، وتحريم الخبائث وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك.
الثاني: الأمر باتباع الرسول وطاعته وأخذ ما آتى، والانتهاء عما نهى ونحو ذلك.
وفي "الصحيحين" وغيرهما من علقمة بن قيس النخعي -وكان أعلم أصحاب عبد الله بن مسعود أو من أعلمهم- قال:"لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله".
فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي كتاب الله؟
قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فبها وجدته.
قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٧)} (١)[الحشر: ٧].
* ظاهر صنيع ابن مسعود أن الاعتماد في كون القرآن مبينًا لكل ما بينته السنة على الضرب الثاني.
وتعقيب آية التبيان بالتي تليها كأنه يشير إلى أن الاعتماد على الضربين مجتمعين، ورجحه الشاطبي، وزعم أن الاستقراء يوافقه، فعلى هنا لا يكون للخلاف ثمرة.
* ثم قال قوم: جميع ما بيَّنَهُ الرسول عَلِمَهُ بالوحي.
وقال آخرون: منه ما كان باجتهادٍ، أَذِنَ الله له فيه وأقره عليه.