وقد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩].
وتَكَفُّلُهُ سبحانه بحفظه لا يعفي المسلمين أن يفعلوا ما يمكنهم كما فعلوا -بتوفيقه لهم- في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان.
فأما السنة:
* فقد تكفل الله بحفظها أيضا؛ لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها؛ لأن محمدًا خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع، بل دلَّ على ذلك قوله {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}.
* فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعن حتى كُتبت ودُونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقًّا جدا؛ لأنها تشمل جميع أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك.
* والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعناه؛ لأنه كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير.
لا جرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالبًا بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء.
* فالشأن في هذا الأمر هو العلم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بلَّغ ما أُمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنَّهُ بلوغِهِ إلى من يحفظه من الأمة، ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجودًا بين الأمة.
وتَكَفُّلُ الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنَّة مَئِنَّة، فتمَّ الحفظُ كما أراد الله تعالى.
وبهذا التكفُّل يُدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كُتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغير فيها من كانت عنده ونحو ذلك.