وفي موضع آخر من "الأنوار"(ص ٢٣٨ - ٢٣٩) أوضح الشيخ المعلمي أسباب عدم اعتناء الصحابة بجمع الحديث في كتابٍ كما فعلوا مع القرآن الكريم، فقال: "بين القرآن والسنة فرقٌ من وجوه:
وبيان ذلك أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ الشريعة مما فيه الكتاب والسنة كما مَرَّ، ومع ذلك كَلَّف الأمةَ القيام بما يتيسر لها من الحفظ.
ولما كان القرآن مقصودًا حفْظ لفظِه ومعناه، وفي ضياع لفظة واحدة منه فواتُ مقصود ديني، وهو مقدار محصور يسهل على الصحابة حفظه في الصدور وكتابته في الجملة - كُلِّفوا بحفظه بالطريقتين.
وبذلك جرى العمل في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتوفاه الله تبارك وتعالى والقرآنُ كلُّه محفوظٌ في الصدور مفرقًا، إلا أن معظمَه عند جماعةٍ معروفين، وإنما حفظه جميعَه بضعةُ أشخاص، ومحفوظ كله بالكتابة مفرقًا في القِطع التي بأيدي الناس كما مَرَّ.
فلما استحَرَّ القتل بالقُرَّاء في اليمامة، وخشي أن يستحرَّ بهم في كل موطن، ومن شأن ذلك -مع صرف النظر عن حفظ الله تعالى- أن يؤدي إلى نقصٍ في الطريقة الأولى - رأى الصحابة أنهم إذا تركوا تلك القطع -كما هي مفرقة بأيدي الناس- كان من شأن ذلك احتمال أن يتلف بعضها، فيقع النقص في الطريقة الثَّانية أيضًا، ورأوا أنه يمكنهم الاحتياط للطريقة الثَّانية بجمع تلك القطع وكتابة القرآن كله في صحف تُحفظ عند الخليفة، وإذ كان ممكنًا بدون مشقة شديدة -وهو من قبيل الكتابة التي ثبت الأمر بها ولا مفسدة فيه البتة- علموا أنه من جملة ما كُلفوا به، فوفقهم الله تعالى للقيام به.
أما السنة:
فالمقصود منها معانيها، وفوات جملة من الأحاديث لا يتحقق به فوات مقصود ديني؛ إذ قد يكون في القرآن وفيما بقي من الأحاديث ما يفيد معاني الجملة التي فاتت، وهي مع ذلك منتشرة لا تتيسر كتابتها كما تقدم.