فلا يزال أحدهم يطلب ويكتب إلى أن تبلغ سنه الثلاثين أو نحوها فتكون أمنيته من الحياة أن يقبله علماء الحديث ويأذنوا للناس أن يسمعوا منه، وقد عَرف أنهم إن اتهموه في حديث واحد أسقطوا حديثه وضاع مجهوده طول عمره وربح سوء السمعة واحتقار الناس.
وتجد جماعة من ذرية أكابر الصحابة قد جرحهم الأئمة، وتجدهم سكتوا عن الخلفاء العباسيين وأعمامهم لم يرووا عنهم شيئًا مع أنهم قد كانوا يروون أحاديث.
ومن تتبع أخبارهم وأحوالهم لم يعجب من غلبة الصدق على الرواة في تلك القرون، بل يعجب من وجود كذابين منهم.
ومن تتبع تشدد الأئمة في النقد لم يعجب من كثرة من جرحوه وأسقطوا حديثه، بل يعجب من سلامة كثير من الرواة وتوثيقهم لهم مع ذلك التشديد.
وبالجملة فهذا الباب يحتمل كتابًا مستقلًا، وأرجو أن يكون فيما ذكرته ما يدفع ما يرمي إليه المستشرقون وأتباعهم -بإفاضتهم في ذكر الوضع- من تشكيك المسلمين في دينهم وإيهامهم أن الله تعالى أحل بما تكفل به من حفظ دينه، وأن سلف الأمة لم يقوموا بما عليهم أو عجزوا عنه فاختلط الحق بالباطل، ولم يبق سبيل إلى تمييزه، كلا بل حجة الله تعالى لم تزل ولن تزال قائمة، وسبيل الحق مفتوحا لمن يريد أن يسلكه ولله الحمد.
وفي "تهذيب التهذيب"(١/ ١٥٢): "قال إسحاق بن إبراهيم: أخذ الرشيد زنديقا فأراد قتله، فقال: أين أَنْتَ من ألف حديث وضعتها؟ فقال له: أين أَنْتَ يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفًا حرفًا".
وفي "فتح المغيث"(ص ١٠٩): "قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ". اهـ.