ومنهم من جرب عليه الأئمة أنه يحدث من حفظه فيخطىء، فاشترطوا لصحة روايته أن يكون السماع منه من كتابه.
ومنهم من عرف الأئمة أنه حافظ، غير أنه قد يقدم كلمة أو يؤخرها، ونحو ذلك مما عرفوا أنه لا يغير المعنى، فيوثقونه ويبينون أن السماع منه من كتابه أثبت.
فأما مَنْ بعدهم فكان المتثبتون لا يكادون يسمعون من الرجل إلا من أصل كتابه.
كان عبد الرزاق الصنعاني ثقةً حافظا، ومع ذلك لم يسمع منه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلا من أصل كتابه.
هذا، وكان الأئمة يعتبرون حديثَ كلِّ راو فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوتة، فإذا وجدوه يحدث مرة كذا ومرة كذا بخلافٍ لا يُحتمل ضعَّفوه.
وربما سمعوا الحديث من الرجل ثم يدعونه مدة طويلة ثم يسألونه عنه، ثم يُعتبر حرف مروياته برواية من روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته ما يخالف رواية الثقات حكموا عليه بحسبها.
وليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط، بل معظم اعتمادهم على حالة في حديثه كما مرَّ، وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطىء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا.
ونظرهم عند تصحيح الحديث أدق من هذا، نعم، إن هناك من المحدثين من يسهِّل ويخفِّف، لكن العارف لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء. فإذا رأيت المحققين قد وثقوا رجلًا مطلقًا فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه. فإن بأن لهم خلاف ذلك نبهوا عليه كما تقدم (ص ١٨). اهـ.