"قد عَرَّفَ أهلُ العلم العدالةَ بأنها "ملكة تمنع عن اقتراف الكبائر وصغائر الخسّة ... " زاد السبكي: "وهوى النفس"، وقال: "لا بد منه، فإن المتقي للكبائر وصغائر الخسّة مع الرذائل المباحة قد يتبع هواه عند وجوده لشيء منها فيرتكبه، ولا عدالة لمن هو بهذه الصفة".
نقله المحلى في "شرح جمع الجوامع" لابن السبكي، ثم ذكر أنه صحيح في نفسه ولكن لا حاجة إلى زيادة القيْد، قال: "لأن من عنده ملكة تمنع عن اقتراف ما ذكر ينتفي عنه اتباع الهوى لشيء منه، وإلا لوقع في المهوي فلا يكون عنده ملكة تمنع منه".
أقول: ما من إنسان إلا وله أهواء فيما ينافي العدالة، وإنما المحذور اتباع الهوى. ومقصود السبكي تنبيه المعدِّلين، فإنه قد يخفى على بعضهم معنى "الملكة" فيكتفي في التعديل بأنه قد خبر صاحبه فلم يره ارتكب منافيًا للعدالة فيعدِّله، ولعله لو تدبَّر لعلم أن لصاحبه هوى غالبًا يُخشى أن يحمله على ارتكاب منافي العدالة إذا احتاج إليه وتهيأ له، ومتى كان الأمر كذلك فلم يغلب على ظن المعدِّل حصول تلك الملكة وهي العدالة لصاحبه، بل إما أن يترجح عنده عدم حصولها فيكون صاحبه ليس بعدل، وإما أن يرتاب في حصولها لصاحبه، فكيف يشهد بحصولها له؟ كما هو معنى التعديل.
وأهل البدع كما سماهم السلف: "أصحاب الأهواء" واتّباعهم لأهوائهم في الجملة ظاهر، وإنما يبقى النظر في العمد والخطأ، ومن ثبت تعمده أو اتهمه بذلك عارفوه لم يُؤمن كذبه.
وفي "الكفاية" للخطيب (ص ١٢٣) عن علي بن حرب الموصلي:
"كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي".
يريد والله أعلم أنهم مظنة ذلك، فيحترس من أحدهم حتى يتبين براءته.