للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال جماعة: لا بد من اثنين، قال السخاوي في "فتح المغيث" (ص ١٢٣):

حكاه القاضي أبو بكر بن الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم؛ لأن التزكية صفة فيحتاج في ثبوتها إلى عدلين، كالرشد والكفاءة وغيرهما، وقياسا على الشاهد بالنسبة لما هو المرجح فيها عند الشافعية والمالكية، بل هو قول محمد بن الحسن، واختاره الطحاوي.

وعارض الخطيب في الكفاية (ص ٤٧) (١) هذا القياس بقياس آخر (٢) حاصله أنه لا يكفي في شهود الزنا إلا أربعة، ومع ذلك اكتفي في إثبات الإحصان الذي به ثبت الرجم باثنين، وقد اكتفي في إثباتها بدون ما اكتفي به في الأخبار، إلا أنه غير ممكن.

وكأن الخطيب عدل عما هو أوضح في هذا خوف النقض؛ وذلك أن أوضح من هذا أن يقال: لم يكتف في عدد شهود الزنا بأقل من أربعة واكتفى في عدد مزكيهم باثنين وواحد عند قوم، فقياس ذلك أن يكفي في عدد مزكي المخبر دون ما يكفي في عدد المخبر، ونقضه أن يقال: قد اكتفى قوم في الأموال بشاهد ويمين، ولم يكتفوا في تعديل هذا الشاهد إلا باثنين اتفاقا.


(١) كذا في "الاستبصار"، وصوابه (ص ٩٧).
(٢) قال الخطيب في "الكفاية" (ص ٩٧): "ويدل على ذلك أيضًا -يعني إجْزَاء تزكية الواحد- أنه قد ثبت وجوب العمل بخبر الواحد، فوجب لذلك أن يقبل في تعديله واحد، وإلا وجب أن يكون ما به ثبتت صفة من يقبل خبره آكد مما يثبت وجوب قبول الخبر والعمل به، وهذا بعيد؛ لأن الاتفاق قد حصل على أن ما به تثبت الصفة التي بثبوتها يثبت الحكم أخفض وأنقص في الرتبة من الذي يثبت به الحكم.
ولهذا وجب ثبوت الإحصان الذي بثبوته يجب الرجم بشهادة اثنين، وإن كان الرجم لا يثبت بشهادة اثنين.
فبان بذلك أن ما يثبت به الحكم يجب أن يكون أقوى مما تثبت به الصفة التي عند ثبوتها يجب الحكم.
وكذلك يجب أن يكون ما به تثبت عدالة المحدث أنقص مما به يثبت الحكم بخبره، والحكم في الشرعيات يثبت بخبر الواحد، فيجب أن تثبت تزكيته بقول الواحد، ولو أمكن ثبوتها بأقل من تزكية واحد لوجب أن يقال بذلك لكي يكون ما به تثبت صفة المخبر أخفض مما به يثبت الحكم، غير أن ذلك غير ممكن". اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>