وأما الأعراب فإن الله تبارك وتعالى كشف أمرهم بموت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فارتد المنافقون منهم، فتبين أنه لم يحصل لهم بالاجتماع بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ما يستقر لهم به اسم الصحبة الشرعية، فمن أسلم بعد ذلك منهم فحكمه حكم التابعين.
وأما مُسلمة الفتح فإن الناس يغلطون فيهم يقولون: كيف يُعقل أن ينقلبوا كلهم مؤمنين بين عشية وضحاها، مع أنهم إنما أسلموا حين قُهروا وغُلبوا ورأوا أن بقاءهم على الشرك يضر بدنياهم؟
والصواب أن الإسلام لم يزل يعمل في النفوس منذ نشأته. ويدلك على قوة تأثيره أمور:
الأول: ما قصه الله تبارك وتعالى من قولهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت: ٢٦].
الثاني: ما ورد من صدِّهم للناس أن يسمعوا القرآن حتى كان لا يَرِدُ مكةَ وارد إلا حذروه أن يستمع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن اشتراطهم على الذي أجار أبا بكر أن يمنعه من قراءة القرآن بحيث يسمعه الناس.
الثالث: وهو أوضحها؛ إسلامُ جماعة من أبناء كبار رؤسائهم ومفارقتهم آباءهم قديما، فمنهم عمرو وخالد ابنا أبي أحيحة سعيد بن العاص، والوليد بن الوليد ابن المغيرة، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وعبد الله وأبو جندل ابنا سهيل بن عمرو وغيرهم.
وآباء هؤلاء هم أكابر رؤساء قريش وأعزهم وأغناهم، فارقهم أبناؤهم وأسلموا. فتدبر هذا، فقد جرت عادة الكُتَّاب إذا ذكروا السابقين إلى الإسلام ذكروا الضعفاء فيتوهم القارىء أنهم أسلموا لضعفهم وسخطهم على الأقوياء وحبهم للانتقام منهم على الأقلِّ لأنه لم يكن لهم من الرياسة والعز والغنى ما يصدُّهم عن قبول الحق وتحمل المشاق في سبيله.