للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما ما يذكره كثير من الكُتَّاب من العصبية بين بني هاشم وبني أمية فدونك الحقيقة:

شمل الإسلام الفريقن ظاهرا وباطنا، وكما أسلم قديما جماعة من بني هاشم فكذلك من بني أمية كابني سعيد بن العاص وعثمان بن عفان وأبي حذيفة بن عتبة، وكما تأخر إسلام جماعة من بني أمية فكذلك من بني هاشم. وكما عاداه بعض بني أمية فكذلك بعض بني هاشم كأبي لهب بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث بن المطلب، ونزل القرآن بذم أبي لهب ولا نعلمه نزل في ذم أُموي معّين، وتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بنت أبي سفيان بن حرب الأموي ولم يتزوج هاشمية, وزوج إحدى بناته في بني هاشم وزوج ثلاثا في بني أمية. فلم يبق الإسلام في أحد الجانبين حتى يحتمل أن يستمر هدفا لكراهية الجانب الآخر، بل ألَّف الله بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا وأصبح الإسلام يلفهم جميعا؛ يحبونه جميعا ويعظمونه جميعا، ويعتزون به جميعا، ويحاول كل منهم أن يكون حظه منه أوفر.

ولم تكن بين فتح مكة وبين ولاية عثمان الخلافة نُفرة ما بين العشيرتين، فلما كانت الشورى وانحصر الأمر في علي وعثمان وجدت الأوهامُ منفذا إلى الخواطر، ثم لما صار في أواخر خلافة عثمان جماعة من عشيرته بني أمية أمراء وعمالا وصار بعض الناس يشكوهم أشيعت عن علي كلمات يندد بهم ويتوعدهم بأنه إذا صلي الخلافة عزلهم وأخذ أموالهم وفعل وفعل، ثم كانت الفتنة، وكان لبعض من يُعَدُّ من أصحاب علي إصبع فيها، حتى قُتل عثمان، وقام قتلته بالسعي لمبايعة علي، فبويع له، وبقي جماعة منهم في عسكره.

فمن تدبر هذا وجد هذه الأسباب العارضة كافية لتعليل ما حدث بعد ذلك، إذنْ فلا وجه لإقحام ثارات بدر وأُحد التي أماتها الإسلام، وما حُكي مما يشعر بذلك لا صحةَ له البتة، إلا نزعة شاعر فاجر في زمن بني العباس يصح أن تُعَدَّ من آثار الإسراف في النزل لا من مؤثراته.

<<  <  ج: ص:  >  >>