للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن أبي حاتم (١): سألت أبي: سمع الحسن من جابر؟ قال: ما أرى، ولكن هشام بن حسان يقول عن الحسن: ثنا جابر بن عبد الله، وأنا أُنِكْرُ هذا، إنما الحسن عن جابر كتابٌ، مع أنه أدرك جابرًا". اهـ.

وقال ابن المديني (٢): سمعت يحيى -يعني القطان- وقيل له: كان الحسن يقول: سمعت عمران بن حصين؟ فقال: أمّا عن ثِقةٍ فلا". اهـ.

بل ترك يحيى بن سعيد القطان أسامة بن زيد الليثي، لمّا روى عن الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب، مع اتفاق أصحاب الزهري على روايته عن سعيد بالعنعنة (٣).

وأمثلةُ هذا الضّرْبِ من النّقْد أكثرُ من أنْ تُحْصى.

وبالجملة فهذا الباب يحتمل كتابًا مستقلًا، ولعلي أُفرده بالتصنيف إن شاء الله تعالى، في رسالة مستقلة.

والمقصود هاهنا التذكيرُ بِعِظمِ قدر أئمة النّقْدِ، والتقريبِ لما كانوا يتمتعون به من ملكاتٍ فذّةٍ، وغرائز حديثيةٍ متميزةٍ، وحافطةٍ ثاقبةٍ، وأفهامٍ دقيقةٍ، ويقظةٍ عاليةٍ، وهِمّةٍ سامِقةٍ، وصبْرٍ على شظفِ العيش لا يُوصف، وتحملٍ لمشقات الرِّحلة لا يُبارى.

هذا مع اعتقادِ أن الكمال لله وحده، وأن لا عصمة إلا لمن عصمهُ الله تعالى، ولكنّ الحقّ لا يغيبُ عن جماعةِ أهْلِ النّقْدِ، فمنِ الناسُ بعدهم؟.

ولعلّ فيما ذكرته هاهنا مقنعٌ لمن درجُوا على الاستقلالِ بِنقْدِ الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، اغترارًا بظواهر الأسانيد، دون الاستبصار بنقد أصحاب "الملكة" وهم أهل "التخصص"، ومنْ حباهم الله سبحانه -مما سبق الإشارةُ إليه- ما أهّلهُم


(١) "المراسيل" (ص ٣٧) رقم (١١٥).
(٢) "جامع التحصيل" (ص ١٦٤).
(٣) انظر "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر (١/ ٢١٠)، وترجمة أسامة من "الكامل" لابن عديّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>