هذا وعلماء السنة لا يستندون في التصديق والتكذيب إلى أن ذاك يروقهم وهذا لا يعجبهم، ولكنهم ينظرون إلى الرواة, فمن كان من أهل الصدق والأمانة والثقة لا يكذبونه، غير أنهم إذا قام الدليل على خطئه خطئوه، سواء أكان ذلك فيما يسوءهم أم فيما يعجبهم.
وأما من كان كذابا أو متهما أو مغفلا أو مجهولا أو نحو ذلك فإنهم لا يحتجون بروايته.
ومن هؤلاء جماعة كثيرة قد رووا عنهم في كتب التفسير وكثير من كتب الحديث والسير والمناقب والفضائل والتاريخ والأدب، وليست روايتهم عنهم تصديقا لهم وإنما هي على سبيل التقييد والاعتبار، فإذا جاء دور النقد جروا على ما عرفوه, فما ثبت مما رواه هؤلاء برواية غيرهم من أهل الصدق قبلوه، وما لم يثبت فإن كان مما يقرب وقوعه لم يروا بذكره بأسا وإن لم يكن حجة، وإن كان مما يستبعد أنكروه، فإن اشتد البُعد كذبوه.
وهذا التفصيل هو الحق المعقول، ومعلوم أن الكذوب قد يصدق فإذا صدقناه حيث عرفنا صدقه واستأنسنا بخبره حيث يقرب صدقه لم يكن علينا -بل لم يكن لنا- أن نصدقه حيث لم يتبين لنا صدقه, فكيف إذا تبين لنا كذبه؟. اهـ.