وقد يحتمل في هذا أن يكون فهد قد سمعه من حماد بن سلمة ثم غفل عنه، فلما حدث به الطالقاني واستفاده الناس وأعجبوا به فتش فهد في كتبه فوجده عنده عن حماد بن سلمة، ولكن في هذا الاحتمال بُعْد.
فأما الحديث الأول فالتهمة فيه أشدّة لأنه ليس من حديث وهيب بن خالد أصلًا، وإنما هو من حديث وهيب بن الورد.
ولا يخفى أنه ليس من الممتنع أن يكون الحديث عند وهيب بن خالد أيضًا ولم يسمعه منه إلا فهد، لكن في هذا من البُعْد ما فيه.
فالظاهر أن هذين الحديثين -هُمَا ولاسيما الأول- بَلِيَّةُ هذا الرجل؛ لأجل ذلك كذبه ابن المديني وتكلم فيه غيره.
لكن يظهر من كلمة ابن أبي حاتم (١) أنه متوقف. وقال ابن أبي حاتم:"قلت لأبي زرعة: يكتب حديثه؟ فقال: أصحاب الحديث ربما أراهم يكتبونه"، وأسند إلى ابن معين أنه سئل عنه فقال:"ليس لي به علم، لا أعرفه، لم أكتب عنه" وقد يبعد أن لا تكون القصة بلغت ابن معين، ومع ذلك توقف.
... والذي يتجه أنه إن كان صرح في الحديث الأول بسماعه من وهيب بن خالد فقد لزمته التهمة، وإن لم يصرح وإنما رواه بصيغة تحتمل التدليس، فقد يقال: لعله دَلَّسه، ولكن يبقى أنهم لم يذكروه بالتدليس، والمدلِّس إنما يَسلم من الجرح بالتدليس إذا كان قد عُرف عنه أنه يدلس، فإن ذلك يكون قرينة تخلصه من أن يكون تدليسه كذبًا، وقد يقال: كان جازمًا بصحة الخبرين عن وهيب وحماد فاستجاز تدليسهما وإن لم يكن قد عُرف بالتدليس، وفي هذا نظر والله أعلم. اهـ.
(١) كذا هنا، وإنما الكلمة لأبي حاتم كما سبق النقل عنه.