للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبان بذلك أن قوله في الموضع الأول: " ... وليس فيها تدليس ... على تورع رواتها عن أنواع التدليس" يدخل فيه التحرز من الإرسال الذي هو رواية الراوي عمن عاصره ولم يره أو لم يدركه إلا أنه لم يسمع منه.

والتحرز من الإرسال هو أساس اشتراط العلم باللقاء أو السماع بين المتعاصرين كما هو معلوم.

نعم، تطبيقات الحاكم تفيد اكتفاءه بالمعاصرة، فهذا مذهبُه، وقد جُرِّب على الحاكم مخالفته لتقريراته النظرية في كتابه "المستدرك" لمن تأمل ذلك، والله الموفق.

وقد شرح ابن حجر في "النكت" ظهور الاتصال الذي هو من شروط "المسند" وعَوَّلَ فيه على كلام الحاكم الذي اختلفت النسخ الخطية في نقله عنه، بقوله: "ظهور الاتصال يخرج المنقطع، لكن يدخل فيه ما فيه انقطاع خفي؛ كعنعنة المدلس، والنوع المُسمَّى بالمرسل الخفي، فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يُسمى مسندا".

وعبارة الحاكم التي يدور الجدل حولها هي قوله: "المسند من الحديث أن يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه لِسن يَحتمله (وفي نسخ: ليس يحتمله) وكذلك سماع شيخه من شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

فقد بيَّن الحافظ أن هذا الظهور لا يشترط انتفاء عنعنة المدلس ولا الإرسال الخفي، مع أن الحاكم قد شرط لقبول الحديث المعنعن ألا يكون فيه تدليس -مع تورع رواته عن أنواع التدليس- كما سبق بيانه، واشتمال ذلك عنده على الإرسال.

ص (١٠٢).

لست أطيل في هذا الموطن فيما وقع في كلام أبي عمرو الداني، والبيهقي، وابن حزم بهذا الصدد، لكني أقول:

أما أبو عمرو الداني فهو آخذٌ من عبارة الحاكم، وقد عاب ابنُ حجر على ابن الصلاح نقل هذا القول عن أبي عمرو مع أنه أخذه من كلام الحاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>