للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكني أقول:

مراد ابن عبد البر أن الإسناد المعنعن إذا اجتمعت فيه تلك الشرائط فهو مجمع على قبوله، ولا يشترط التصريح بالسماع في كل موضع؛ لأن: (عن) حينئذ ظاهرها الاتصال، وهو الأصل فيها، فلو اختل شرط من تلك الشرائط تخلف هذا الظهور. والمثال الذي ذكره ابن عبد البر يحتاج إلى إيضاح:

روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي، عن ابن المبارك، عن ثور بن يزيد قال: حُدِّثْتُ عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح ظاهر خفيه وباطنهما.

ورواه الوليد بن مسلم عن ثور، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة به مرفوعا.

فأعلَّ أحمد والبخاري وأبو زرعة والترمذي وغير واحد رواية الوليد برواية ابن المبارك، والذي صنعه الوليد هو إبدال صيغة: "حُدِّثْتُ" بين ثور وحيوة بصيغة: "عن"، وزاد ذكر المغيرة، فوصل الإسناد.

والذي يعنينا هنا هو قضية الإبدال، فأقول:

لفظة: "حُدِّثْتُ" صريحةٌ وظاهرة في الانقطاع، أما لفظة: "عن" فكما سبق أن الأصل في استعمالها الاتصال بالشروط المذكورة، فإذا اختل شرط منها لم يُقطع بالانقطاع، بل فَقدت ظهور الاتصال، فهي على الاحتمال، والتردد في ذلك كافٍ في التوقف في الخبر أو حتى رده إلى أن يثبت الاتصال.

فالذي صنعه الوليد هو إبدال ما هو صريح في الانقطاع بما هو محتمل أو ظاهر في الاتصال بشروطه، وهذا شبيا جدًّا -بل هو هو- بتدليس التسوية؛ لأن صيغة "حُدِّثْتُ" عِوَضٌ عن ذكر الواسطة، فأسقطها الوليد بقوله: "عن"؛ لأنها ليست صريحة في ذكر الواسطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>