"وذلك أن يُستدل على الصدق والكذب فيه بأن يُحدث المحدثُ ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه".
وقال الخطيب في "الكفاية في علم الرواية"(ص ٤٢٩): "باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث".
وفي الرواة جماعةٌ يتسامحون عند السماع، وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثًا بَيِّنَ البطلان إلا وجدت في سنده واحدًا أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة.
والأئمةُ كثيرًا ما يجرحون الراوي بخبرٍ واحدٍ منكرٍ جاء به، فضلًا عن خبرين أو أكثر.
ويقولون للخبر الذي تمتنعُ صحتُه أو تبعدُ:"منكر" أو"باطل"، وتجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات.
والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا حديثا.
فأما تصحيحُ الأحاديث فَهُم به أَعْنَى وأشدُّ احتياطا.
نعم، ليس كُلُّ من حُكي عنه توثيقٌ أو تصحيحٌ متثبتًا، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك.
هذا وقد عَرف الأئمةُ الذين صححوا الأحاديث، أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمن ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقةً للعقل المعتدِّ به في الدين، مستكملةً شرائط الصحة الأخرى، وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها، أو هي من قبيلها، قد ثقلت هي أيضًا على المتكلمين، وقد علموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدين بالقرآن ويقتدي به، فمن المعقول جدًّا أن يجيء في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات.