كذا قال، وقد أسلفتُ أن رعايتهم للمعنى سابقة، يراعونه عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الراوي، ثم يراعونه عند التصحيح، ومنهم من يتسامح في بعض ذلك، وهم معروفون كما تقدم.
وقد قال أبو رية (ص ١٠٤): "ذكر المحققون أمورًا كُلِّيَّةً يُعرف بها أن الحديث موضوع ... " فذكر جميع ما يتعلق بالمعنى - نقلًا عنهم.
فإن قال: ولكن مصححي الأحاديث لم يراعوا ذلك.
قلت: أما المتثبتون كالبخاري ومسلم، فقد راعوا ذلك، بلى في كل منهما أحاديثُ يسيرة انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس، ومرجع ذلك إما إلى اختلافِ النظر، وإما إلى اصطلاحٍ لهما يغفل عنه المنتقد، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر، وقد انتُقدت عليهما أحاديثُ من جهة السند، فهل يقال لأجل ذلك إنهما لم يراعيا هذا أيضًا؟
... وقال (ص ٦): "أسباب تصنيف هذا الكتاب ... " الخ، إلى أن قال:"ومما راعني أنى أجد في معاني كثير من الأحاديث ما لا يقبله عقل صريح".
أقول: لا ريب أن في ما يُنسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأخبار ما يرده العقل الصريح، وقد جمع المحدثون ذلك وما يقرب منه في كتب الموضوعات، وما لم يذكر فيها منه فلن تجد له إسنادًا متصلًا إلا وفي رجاله ممن جرحه أئمة الحديث رجل أو أكثر، وزَعْمُ أن في الصحيحين شيئًا من ذلك سيأتي النظر فيه، وقد تقدمت قضية العقل.
قال:"ولا يثبته علم صحيح ولا يؤيده حس ظاهر أو كتاب متواتر".
أقول: لا أدري ما فائدة هذا، مع العلم بأن ما يثبته العلم الصحيح أو يؤيده الحس الظاهر لابد أن يقبله العقل الصريح، وأن القرآن لا يؤيد ما لا يقبله العقل الصريح". اهـ.