نعم إذا قيل:"ليس بثقة ولا مأمون" تَعَيَّنَ الجرحُ الشديد، وإن اقتصر على "ليس بثقة" فالمتبادرُ جرحٌ شديدٌ، ولكن إذا كان هناك ما يُشعر بأنها استعملت في المعنى الآخر حُملت عليه، وهكذا كلمة "ثقة" معناها المعروف: التوثيق التام، فلا تُصرف عنه إلا بدليل، إما قرينة لفظية؛ كقول يعقوب:"ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق" وبقية الأمثلة السابقة، وإما حالية منقولة، أو مستدل عليها بكلمة أخرى عن قائلها، كما مر في الأمر السابع عن "لسان الميزان" أو عن غيره، ولا سيما إذا كانوا هم الأكثر.
فتدبر ما تقدم، وقابِلْه بما قاله الكوثري في "الترحيب"(ص ١٥)، قال:
"وكم من راوٍ يُوثَّقْ ولا يُحتج به، كما في كلام يعقوب الفَسَوي، بل كم ممن يوصف بأنه صدوق ولا يُعَدُّ ثقة، كما قال ابن مهدي: أبو خلدة صدوق مأمون، الثقة سفيان وشعبة".
وعلى الأستاذ مؤاخذات:
الأولى: أنه ذكر هذا في معرض الاعتذار، وأنا لم أناقشه فيما قام الدليل فيه.
الثانية: أن كلمة يعقوب التي أشار إليها هي قوله: "كتبت عن ألف شيخ وكسر كلهم ثقات (١)، ما أحدٌ منهم أَتَّخِذُه عند الله حجةً، إلا أحمد بن صالح بمصر وأحمد ابن حنبل بالعراق"، أوردتها في "الطليعة"(ص ٢١) إلى قوله "ثقات"، ذكرت ذلك من جملة الشواهد على أن شيخ يعقوب في ذاك السند هو أحمد بن الخليل الموثق، لا أحمد بن الخليل المجروح، فزعم الأستاذ في "الترحيب" أنني اقتصرت على أول العبارة لأُوهم أن شيخ يعقوب في ذاك السند ثقة يحتج به! وهذا كما ترى.
أولًا: لأن سياق كلامي هناك واضح في أني إنما أردت تعيين شيخ يعقوب، فأما الاحتجاج وعدمه فلا ذكر له هناك.
(١) اعترض الإمام الذهبي في "السير" ترجمة أحمد بن صالح على هذا الخبر، واستنكره، ولم يؤمن به.