رأى الأستاذ في الرواة عن الأبار: دعلج بن أحمد السجزي، ورأى في ترجمة دعلج أنه كان تاجرًا، كثير المال، كثير الإفضال على أصحاب الحديث وغيرهم، وأنه أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته، وكان يفتي بقوله، فاستنبط الأستاذ أن دعلجًا كان متعصبًا لابن خزيمة في الأصول يعني العقائد، وفي الفروع، وابن خزيمة عند الأستاذ مجسم، وأبو حنيفة عنده مننره، التنزيه الذي يسميه خصومه تعطيلًا وتكذيبًا، فعلى هذا كان دعلج متعصبًا على أبي حنيفة للعقيدة وللمذهب معًا! ثم استنبط الأستاذ في شأن الأبار أنه جمع ما جمعه في الغض من أبي حنيفة تقربًا إلى دعلج المثري المنفق، وأن دعلجًا كان يوسع العطاء للأبار لأجل ذلك!
فأقول: لا يخفى على عارفٍ بالفقه والحديث أنه يكفي في رد هذه التهمة أن يبين أن الأبار ودعلجًا من الحفاظ المعروفين، روى عنهما أئمة الحديث العارفون بالعدالة والرواية، ووثقوهما، وأثنوا عليهما، ولم يطعن أحد في عدالتهما ولا روايتهما، ولم يذكر أحد دعلجًا بتعصبٍ، بل كان فضله وأفضاله كلمة وفاق، ولم يذكر أحد الأبار بحرصٍ على الدنيا، كما ذكروا الحارث بن أبي أسامة وعلي بن عبد العزيز البغوي وغيرهما، بل وصفه شيخ الزهاد وراوية أخبارهم: جعفر بن محمد بن نصير الخلدي بأنه كان أزهد الناس كما سلف.
ومع هذا فالأبار كان ببغداد، وسُكنى دعلج بها وحصول الثروة له وما عُرف به من الإنفاق، وتجرد ابن خزيمة للكلام في العقائد، وأخذ دعلج كتبه، واتباعه له: كل ذلك إنما كان بعد وفاة الأبار بمدة؛ فإن أقدم من سمي من شيوخ الأبار: مسدد المتوفى سنة ٢٢٨، فعلي بن الجعد المتوفى سنة ٢٣٠، فأمية بن بسطام المتوفى سنة ٢٣١، وبذلك يظهر أن مولد الأبار كان بعد سنة ٢١٠، وتوفي سنة ٢٩٠ كما مرّ، ومولد دعلج سنة ٢٦٠ بسجستان، وبها نشأ، ثم كان يطوف البلدان لطلب العلم والتجارة.