قد نظرت في هذه العبارة: قائلها، ومدلولها، في ترجمته من القسم الأول من "النكت الجياد"(ص ٥٧١ - ٥٧٦) فأحب إيراد ذلك هنا لمناسبته للمقام، فأقول:
"ناسب الكلمة إلى أحمد إنما هو الحافظ ابن حجر، ففي "تهذيب التهذيب" (٩/ ٩٠):
"وقال ابن حبان: كان أعمى، يُلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ويسرق ما ذوكر به فيحدث به. قال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه إلا شرٌ منه". اهـ.
فقول ابن حجر: قال أحمد بن حنبل، قولٌ مستأنفٌ، لا علاقة له بابن حبان؛ وقول ابن حبان الذي نقله ابن حجر، قد قاله في كتاب "المجروحين" (٢/ ٢٧٥) ولا أثر فيه للنقل عن أحمد ولا غيره هذه الكلمة.
وإنما أُتي الشيخ المعلمي من جهة أنه لم يَرَ كتاب "المجروحين" فاعتمد على "التهذيب".
ثم يظهر لي أن في نسبة هذا القول لأحمد وهمًا، قد سبق ابنَ حجر فيه: الذهبيُّ في غير موضع من كتبه، فأخشى أن يكون ابن حجر قد تابعه فيه.
وذلك أني فتشت في الكتب التي تُعنى بنقل أقوال الإمام أحمد في الرواة، فلم أجد هذا القول عنه، وإنما وجدت في كتاب "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد (١/ ١٤٥) قال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عن محمد بن جابر: فذمَّهُ، وقال: ما يحدث عنه إلا من هو شرٌّ منه. ومثله في الموضع (١/ ٥٢) وفيه: فغلَّظ فيه وقال: ...
وقول الشيخ المعلمي: لو صَحَّتْ عن أحمد لكانت الكلمة أقرب إلى الاطراء البالغ منها إلي الذم ... - فيه نظرٌ من وجوه:
الوجه الأول: سَبَق النقل عن عبد الله بن أحمد أنه صَدَّر حكايته عن ابن معين بقوله: "فذمَّه"، وفي موضع آخر: "فغلَّظ فيه" وهذا أقطعُ للاحتمال وأبْيَنُ في مراد ابن معين من هذه الكلمة؛ أنه أراد بها الذمَّ، لا الإطراء.