فقال الأستاذ في "الترحيب" ص ٤٥: "فقول القائل: كأنه ضعفه، لا يفرق كثيرًا من قوله: ضعفه؛ لكون الحُكم على الأحاديث بالصحة والضعف، وعلى الرجال بالثقة والضعف -في أخبار الآحاد- مبنيا على ما يبدو للناظر، لا على ما في نفس الأمر، فظهر أن ذلك عبارة عن غلبة الظن فيما لا يقين فيه، وسبق أن نقلنا عن أحمد في الرمادي: كأنه يغير الألفاظ - وقد بنى عليه الذم الشديد، باعتبار أن ظن الناظر ملزم".
أقول: ابن الجنيد هنا راوٍ، لا ناظر، وباب الرواية اليقين، فإن كان قد يكفي الظن، فذاك الظنُّ الجازمُ، وآيته أن يجزم الراوي الثقة.
فأما قوله:"أظن" مثلا، فإنه يصدق بظنٍّ ما، وقد قال الله تعالى:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، فما بالك بقوله:"فكأنه ضعفه".
وأصل كلمة:"كأن" للتشبيه، والتشبيه يستلزم كون المشبَّه غير المشبَّه به.
فأما معناها الثاني، فعبر عنه في "مغنى اللبيب" بقوله: "الشك والظن"، فدل ذلك على أنها دون "أظنه".
وفي ترجمة الحسن بن موسى الأشيب من "مقدمة الفتح" مثل هذه الكلمة: "كأنه ضعيف"، فدفعها الحافظ ابن حجر بقوله:"هذا ظنٌّ، لا تقوم به حجة".
هذا، وتردد ابن الجنيد يحتمل وجهن، أظهرهما: أن يكون جرى من ابن معين عندما سُئل عن مؤمل ما يُشعر بأنه لم يعجبه مؤمل، ولا ندري ما الذي جرى منه، وما قدر دلالته؟
على أنهم مما يقولون:"ضعفه فلان" مع أن الواقعَ من فلانٍ تليينٌ يسيرٌ، كما تقدمت الإشارة إليه في القاعدة السادسة من قسم القواعد، فما بالك بقوله:"فكأنه ضعفه"؟.
وإنما ينقل أهلُ العلم أمثالَ هذه الكلمة؛ لاحتمال أن يوجد تضعيفٌ صريحٌ، فيكون مما يعتضد به، فأما هنا فلا يوجد إلا التوثيق.