وعمدوا إلى الأخبار فانتقدوها وفحصوها، وخَلَّصُوا لنا منها ما ضمنّوه كتبَ الصحيح، وتفقدوا الأخبارَ التى ظاهرها الصحة، وقد عرفوا بسعة علمهم ودقة فهمهم ما يدفعها عن الصحة، فشرحوا عللَها، وبينوا خللَها، وضمنّوها كتبَ العلل.
وحاولوا مع ذلك إماتَةَ الأخبارِ الكاذبةِ، فلم ينقلْ أفاضلُهم منها إلا ما احتاجوا إلى ذكره؛ للدلالة على كذب راويه أو وهنه.
ومن تسامح من متأخريهم، فروى كُلَّ ما سمع، فقد بَيَّنَ ذلك، ووكل الناسَ إلى النقد الذي قد مُهِّدَتْ قواعدُه ونُصبَتْ معالِمُه.
فَبِحَقٍّ قال المستشرق المحقق مرجليوث:"ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم".
علم الجرح والتعديل هو عِلمٌ يُبحثُ فيه عن جرحِ الرواةِ وتعديلهم، بألفاظٍ مخصوصةٍ، وعن مراتب تلك الألفاظ، وهذا العلمُ من فروع علم رجال الأحاديث، ولم يذكرْه أحدٌ من أصحاب الموضوعات، مع أنه فرعٌ عظيمٌ.
والكلام في الرجال جرحا وتعديلا ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم عن كثيرٍ من الصحابة والتابعين، فَمَنْ بعدهم، وجُوِّزَ ذلك تورعا وصونا للشريعة، لا طَعْنا في الناس، وكما جاز الجرحُ في الشهود، جاز في الرواة، والتثبتُ في أمر الدين أَوْلَى من التثبت في الحقوق والأموال، فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلامَ في ذلك.
النقد والنقاد:
ليس نقدُ الرواة بالأمر الهَيِّنِ؛ فإنَّ الناقدَ لا بُدَّ أن يكون واسعَ الاطلاع على الأخبار المروية، عارفا بأحوال الرواة السابقين وطرق الرواية، خبيرا بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، والموقعة في الخطأ والغلط، ثم يحتاج إلى أن يعرف أحوال الراوي: