ووراءَ ذلك درجاتٌ بحسب احتمالِ الخللِ وعدمِهِ؛ فقوله:"فلان قاذف" قد يحتملُ الخللَ: مِنْ جهةِ أن يكونَ الجارحُ أخطأَ في ظَنِّهِ أن الواقعَ قذفٌ، ومِنْ جهةِ احتمالِ أن يكونَ المرميُّ مستحقًا للقذف، ومنْ جهةِ احتمالِ أن لا يكونَ الجارحُ سمع ذلك من المجروح، وإنما بَلَغَهُ عنه، ومِنْ جهةِ أن يكونَ إنما سمعَ رجلًا آخر يُقْذَفُ، فَتَوَهَّمَ أنه الذي سَمَّاهُ، ومِنْ جهةِ احتمالِ أن يكونَ المجروحُ إنما كان يحكي القذفَ عن غيره، أو يَفْرض أن قائلًا قاله، فلم يسمعْ الجارحُ أولَ الكلام، إلى غير ذلك من الاحتمالات.
نعم، إنها خلافًا لظاهرِ، ولكنْ قد يَقْوَى المُعارِضُ جدًّا، فيغلبُ على الظن أن هناك خللًا، وإن لم يتبين.
واختلف أهلُ العلم في الدرجة الأولى، وهي الجرح المجمل، إذا صدر من العارف بأسباب الجرح، فمنهم من قال: يجب العملُ به، ومنهم من قال: لا يُعملُ به؛ لأن الناس اختلفوا في أشياءَ، يراها بعضهم فسقًا ولا يوافقه غيره.
وفَصَّلَ الخطيبُ فيما نقله عنه العراقي والسخاوي، قال:
"إن كان الذي يُرجعُ إليه عدلًا، مرضيًا في اعتقاده وأفعاله، عارفًا بصفة العدالة والجرح وأسبابهما، عالمًا باختلاف الفقهاء في أحكام ذلك، قُبِلَ قولُه فيمن جَرحه مجملًا، ولا يُسأل عن سببه".
يريد أنه إذا كان عارفًا باختلاف الفقهاء، فالظاهر أنه لا يَجرح إلا بما هو جرحٌ باتفاقهم.
وأقول: لا بد من الفرق بين: جرحِ الشاهد وجرحِ الراوي، وبين ما إذا كان هناك ما يخالفُ الجرحَ، وما إذا لم يكن هناك ما يخالفه.