للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى كل حال، لو فرضنا ثبوت هذا التوثيق عن ابن وهب، فابن وهب كان من المكثرين، ولم يُعرف عنه التوقي في انتقاء مشايخه، وكان حسن الظن بابن سمعان، وكان يجالسه ويأخذ عنه، كما كان بعض الأئمة والثقات يجالسونه ويأخذون عنه، إلا أنه قد تبين لهم ما لم يتبين لابن وهب، فمنهم من صرح بكذبه، ومنهم من تركه.

قال عبد الله بن المبارك: أقمت عليه -يعني: ابن سمعان- كذا وكذا، وحملت عنه، فحدث يومًا عن مجاهد عن ابن عباس، فقلت: إنك كنت ذكرت هذا عن مجاهد، فقال: أو ليس مجاهد يحدث عن ابن عباس! فكرهت حديثه وتركته.

وقال أبو بكر بن أبي أويس: كنت أجالس عبد الله بن زياد بن سمعان، فكنا نرى أنه أخذ كتبًا غير سماع، فبينا هو يحدث إذ انتهى إلى حديثٍ لشهر بن حوشب، فقال: شهر بن جوست. فقلت: من هذا؟ فقال: رجل من أهل خراسان، اسمه من أسماء العجم. فقلت: لعلك تريد: شهر بن حوشب. فقلنا حينئذ: إنه يأخذ من الكتب. قال أبو معشر معقبًا: ابن سمعان إنما أخذ كتبه من الدواوين والصحف.

وكان عبد الله بن سمعان يحدث عن: عبد الله بن عبد الرحمن، فكان أحمد بن صالح المصري يقول إنه يغير أسماء الله، قال: وهذا كذب، ولما سأل ابنُ وهب ابنَ سمعان عن: عبد الله بن عبد الرحمن هذا، قال له ابن سمعان: لقيتُه في البحر.

وابن وهب لم يُعرف بتتبع أحوال الرواة ونقدهم كما عُرف غيره ممن كشف حقيقة ابن سمعان وطعن فيه، فهذه واقعة واحدة، دَلَّس فيها ابنُ سمعان تدليسًا فاحشًا، فحدَّث عمن لا وجود له، واستعار له هذا الاسم المخترع، فعدَّه أحمد بن صالح كذبًا، ومَشَّاه ابن وهب، مع مراوغة ابن سمعان له حين سأله عنه، فقال: لقيته في البحر، ومقتضى ذلك أنه لا سبيل لابن وهب ولا لغيره إلى معرفته أو الوصول إليه!

<<  <  ج: ص:  >  >>