ثم اتسع العلم، وطالت الأسانيد، وصنفت بعض الكتب، فأطبق الناس على الكتابة وكان أكثرهم يحرصون على الحفظ، وإنما يكتبون ويحفظون كتبهم ليتحفظوا منها، ثم يراجعونها عند الحاجة، ومنهم من لا يحفظ فإذا احتيج للأخذ عنه روى من كتابه، وكانوا يبالغون في حفظ كتبهم فلا يمكن أحدهم أحدًا من كتابه إلا أن يكون بحضرته أو يشتد وثوقه برجل فيسمح له.
وفي "صحيح البخاري" في كتاب الحج باب: من أين يخرج من مكة: "سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: لو أن مسددًا أتيته في بيته فحدثته لاستحق ذلك وما أبالي كتبي كانت عندي أو عند مسدد".
وكانت كتب العلماء التي يعتمدون عليها بخط أيديهم، وذلك على أوجه؛ قد يُملي الشيخ والطالبُ يكتب ثم يحفظ ذاك الكتاب نفسه أو ينقله إلى كتاب آخر فيحفظه.
وقد يثق الطالب بجودة حفظه فيحضر إملاء الشيخ فيحفظ ثم يرجع إلى بيته فيكتب ما حفظه، وقد يسمح له الشيخ بكتابه بحضرته فينقل منه أو ينقل من نسخة أخرى قد كتبها صاحبها عن الشيخ ثم يقرأ ما كتبه على الشيخ، فإن كان الشيخ حافظًا اكتفى باستماع ما كتبه الطالب، وأصلح ما يحتاج إلى إصلاحه من حفظه أو أخذ كتاب الطالب وأملاه عليه، وإن لم يكن الشيخ يحفظ أخذ أصله فقابل له ما كتبه الطالب؛ إما بأن يملي الشيخ من أصله والطالب ينظر في نقله، وإما بأن يقرأ الطالب من نقله والشيخ ينظر في أصله.
وربما تسامح بعضهم فحضر إملاء الشيخ أو القراءة عليه ولم يكتب هو، ولكن كان معه من يكتب عند السماع أو كتب قبل ذلك، ثم بعد ذلك يعتمد ذاك الذي لم يكتب على كتاب صاحبه فينقل عنه، وربما لم يكن هناك سماع ولا قراءة وإنما ينقل الطالب من أصل الشيخ أو من فرع قد قرأه الشيخ أو قُرىء عليه، ثم يعرض على