للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاول جاهل أن يطمس ما في الأصل ويكتب محله ما يخالفه، فلم يتم له ذلك، بل بقي ما في الأصل لائحا، ولكن مثل هذا قليل، فقد رأينا عدة من الأصول قد اطلع عليها من ينكر بعض ما فيها، وغاية أمره أن يكتب عليه حاشية يظهر فيها إنكاره لما في الأصل، وهذا إذا تدبرت من آيات الله عز وجل مصداقا لوعده سبحانه بحفظ الذكر، والذكر يتناول السنة إن لم يكن بلفظه فبمعناه، ويلزم من ذلك حفظه كل ما فيه حفظ للشريعة؛ كاللغة وغيرها ولله الحمد.

وكأنه لاحتمال تصرف بعض الخونة أو الجهلة كان السلف يحتاطون في شأن الكتب، وفي ترجمة الأوزاعي من "تهذيب التهذيب (١) ": "وقال الوليد بن مسلم فيما رواه أبو عوانة في صحيحه: احترقت كتبه (يعني الأوزعي) زمن الرجفة، فأتى رجل بنسخها (يعني بنسخ نقلت من تلك الكتب) وقال له (يعني للأوزاعي): هو إصلاحك بيدك (يعني إن هذه النسخ نقلت من كتبك وقابلتها أنت وأصلحت فيها ما فيه مخالفة) فما عرض لشيء منها حتى مات".

يعني إن الأوزاعي: لم يعتد بتلك النسخ ولا روى منها شيئًا، وإنما ذلك لأنها قد بقيت مدة تحت يد غيره ممن لعله لا يعرفه بالثقة، فلم يأمن أن يكون وقع فيها تغيير وإن لم يظهر.

هذا حال النسخ الخطية، ثم يجيء دور الطبع، والعادة أنه ينتسخ من الأصل القلمي نسخة تكون مسودة للطبع، ثم تقابل على أصلها، ثم إن وجد أصل آخر قوبلت المسودة عليه، وقد تقابل على أكثر من أصلين، ثم ينظر فيها المصحح، ثم تدفع إلى مركبى الحروف فيركبون كل يوم ثماني صفحات مثلًا ويطبعون عليها التجارب (بروفة)، وترسل التجارب إلى رجلين يقابلانها على المسودة، ويصلحان


(١) التهذيب (٤/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>